3- الكشافة
 

  تعريفها:

هي حركة تربوية تطوعية غير سياسية مفتوحة للجميع دون تفرقة في الأصل ، الجنس ، أو العقيدة. وذلك وفقا لـ : الهدف، المبادئ، أو الطريقة التي وضعها مؤسس الحركة.
الهدف من حركة الكشف:
المساهمة في تربية وتنمية الشباب لتحقيق أقصى ارتقاء بقدراتهم البدنية، العقلية، الاجتماعية، والروحية. كأفراد ومواطنين مسئولين في مجتمعاتهم المحلية القومية.
مبادئ حركة الكشف:
تقوم الحركة الكشفة على أساس المبادئ التالية:
الواجب نحو الله: الالتزام بالمبادئ الروحانية والعمل بأصول الشريعة وتقبل الواجبات التى تنتح طبقا لذلك.
الواجب نحو الآخرين: الولاء للوطن في انسجام وتوافق مع تعزيز السلام والصداقة والتفاهم المحلى/القومي/ العالمي.
الواجب نحو الذات: كل شخص ينخرط في الحركة الكشفية مسئول عن تنمية ذاته.
الطريقة الكشفية:هي نظام تربية ذاتية وتدريجية من خلال:
الوعد والقانون، التعليم بالممارسة، العضوية في جماعات صغيرة، برامج متدرجة ومثيرة تمارس في الطبيعة  والخلاء.ويطلب من جميع الأعضاء في الحركة الكشفية الالتزام بوعد وقانون كشفيين بالصيغة الملائمة لثقافة وحضارة كل جمعية كشفية قومية معترف بها من قبل المنظمة الكشفية العالمية.
الحركة الكشفية إسلامية المصدر عربية المنبع
أولا : الحركة الكشفية عربية الأصول :
إذا كانت الحركة الكشفية قد ظهرت فى إنجلترا عام 1907 ، فقد ظن الكثيرون أن مبادئ هذه الحركة وتعاليمها من تراث هؤلاء الغربيين أو ابتكارهم ، مع أن الأسس الأصلية لهذه الحركة نشأت فى بلادنا العربية ، وعلى فسيح صحرائنا فى جزيرتنا ذات التاريخ المجيد والتراث التليد ..
وهنا يقول فضيلة المرحوم الشيخ أحمد الشرباصى فى هذا الموضوع ما يأتى :
” لقد كان العربى منذ فجر التاريخ يحيا حياة كشفية فى أغلب حياته ، فهو يقيم بين الجبال والوهاد ، ويسعى فوق رمال الصحراء ، ويتتبع منابع الماء ومنابت الكلأ ، ويلاحظ النجوم والكواكب ، ويساير تحركات الشمس والقمر ، ويحس بحركات الرياح والأمطار ، ويتنبه إلى طبائع ما حول من حيوانات وطيور ونباتات .
وهو ينصب خيمته بنفسه ، ويجمع زاده وطعامه بيده ، ويحيا حياة فيها خشونة ورجولة ، وفيها بساطة وسهولة ، فإذا دعاه داعى الرحيل إلى الانتقال، طوى خيمته، وجمع أمتعته، وأخذ يجوب الصحراء ماشيا على قدميه أو راكبا ناقته ، وما يزال يعلو ربوة، ويهبط واديا حتى يلقى عصا النسيان حيث يستقر به القرار، فيعود إلى نص خيمته وتكوين حياته المعيشية من جديد”.
وإذا ما نبت لهذا العربى ولد، بث فيه منذ صباه نزعة الاعتماد على النفس، وحب التجربة والمحاولة والاستخفاف بالأخطار والمصاعب، والحرص على الإقدام، والمروءة والكرم، ومساعدة الضعيف مع الاعتزاز بالحمى، والدفاع عن القوم والوطن.
وإذا كانت الحركة الكشفية فى المجتمعات المعاصرة تصطنع لشبابها أجواء تهيئ لهم-على قدر الطاقة- أن يمارسوا الأعمال الكشفية ليستشعروا روحها وأهدافها، فقد كان أجدادنا العرب يعيشون على سجيتهم فى البيئة الكشفية الطبيعية الأصلية، ويحيون فيها ما امتدت أمامهم أسباب الحياة، ويمارسون أساليبها وأعمالها ممارسة طبيعية موصولة، لأنها كانت لب حياتهم، وعماد معيشتهم.
لقد عاش مؤسس الحركة الكشفية (بادن باول) فى الهند سنوات طويلة، ودرس خلال إقامته بها تاريخ العرب وتقاليدهم وعاداتهم، وعرف الكثير عن الجزيرة العربية، وعن حياة سكانها كما قرأعن الإسلام، وعن حياة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وكان لهذا كله أثره فى تكوين فلسفته عن الحركة الكشفية، وصياغة أسسها ومبادئها.
فإذا جئنا اليوم وقلنا إن هذه الحركة عربية الأصول والمصادر، فإننا لا نفتات على حق لغيرنا، ولا ننسب لأنفسنا ما ليس لها، وإنما نحن نصحح أوضاعا وحقائق غابت عن كثيرين منا ممن يقولون إن هذه الحركة أجنبية، وأنها دخيلة على مجتمعنا العربى.
وقد أوضحنا فيما سبق كيف أن العرب كانوا يعيشون الحياة الكشفية على سجيتها، وهو نفس النظام الذى صاغه مؤسس الحركة بعد ذلك، بل اقتبس منهم وسائل تربية أبنائهم وكثيرا من عاداتهم وتقاليدهم التى كانت عونا له على تكوين فلسفته التى أقام عليها فكرة الكشافة كما سيتضح فيما بعد:
1-     العرب وتربية أبنائهم:
كان العرب من أسبق الشعوب إلى العناية بأبنائهم وتنشئتهم ليشبوا أصحاء أقوياء الأجسام سليمى البنية، فكانت العادة عند سكان الحواضر منهم أن يلتمسوا المراضع لأولادهم من البادية، وهناك تقوى أجسامهم، وتشتد أعصابهم. وكلنا نعلم أن نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام قضى حياته الأولى فى البادية عند مرضعته السيدة حليمة.
2-     العرب واقتفاء الأثر:
وقد برع العرب فى فن اقتفاء الأثر أو “الكشف” التى اشتقت منه كلمة (كشافة) والذى هو من بعض فنونها ووسائلها، ووصلوا فيه إلى درجة عظيمة من البراعة، فقد كان يعرض على أحدهم مولود فى نفر فيلحقه بأبيه، وكان منهم من إذا دخل عليهم لص محتال، أو هرب منهم هارب تتبعوا أقدامه حتى يظفروا به، وكانوا يميزون قدم الشاب من الشيخ، والرجل من المرأة، والثيب من البكر، والراحل من المقيم.
ويروى أن أحدهم ضاع له حمار فاتبع أثره من (نجد) حتى بلغ عن طريق الأثر إلى مدينة (الحله) بالعراق، وهناك وجد الحمار.. وللعرب فى ذلك قصص كثيرة نذكر منها ما يحكى عن (نزار) أحد أشراف العرب وسراتهم، أنه عندما حضرته الوفاة جمع بنيه الأربعة: مضر وربيعة وايادا وأنمار، فنصحهم بتقوى الله، وأن يعطوا من مالهم السائل والمحروم , وان يكرموا الضيف , وان يجيروا اللاجىء , ويؤمنوا الخائف , وان يقصدوا فى اجورهم , وان يتحدوا عن حلول الشدائد .
ثم قال : “يابنى , هذه القبق الحمراء – وكانت من جلد احمر – لمضر – وهذا الفرس الاسود لربيعه- وهذه الخادم الشمطاء لاياد , وهذه البدره لانمار, فان اشكل عليكم كيف تقتسمون .. فأتوا الافعى الجرهمى , ومنزله بنجران , ليقضى بينكم بالعدل والقسطاس.
ومات نزار وورى التراب , واشكل على بنيه كيف يقتسمون ميراثه فى حدود وصيته , فتوجهوا الى الافعى , فبينما هم سائرون فى ارض كلئه, اذ راى ( مضر ) اثر بعير وكلأ قد رعى , فقال لاخوته لإن البعير الى ترك هذا الاثر, ورعى هذا الكلأ لاعور .
وقال ربيعه : انه الأعرج .
وقال اياد : انه لابتر .
وقال انمار : وانه لشرود.
قال مضر: وانه يحمل حملا نصفه عسل , ونصفه الاخر حنظل.
فساروا قليلا , فإذا هم باعرابى طاعن فى السن , اشعث اغبر ينشد جملة .
وقال وهو يحاورهم : يا وجوه العرب , انى رجل صعلوك , قليل المال , كثير العيال , وقد ضاع بعيرى منذ ثلاثة ايام :
فردوا عليه بالاوصاف التى وصفوا بها البعير .
وقال لهم الاعرابى ” نعم هذه والله صفات بعيرى , لم تتركوا علامة فيه لم تذكروها , فدلونى عليه .
فقالوا : والله ما رأيناه .
قال : هذا والله الكذب , وانى لا ابرح عنكم ان عرجتم الى السماء او غصتم فى الارض .
وتبعهم الى نجران, والتقى بهم عند الافعى الذى قال له .
ما خطبك ايها الشيخ ؟ .
فقال الاعرابى : لقد ضل منى بعيرى  , واخذه هؤلاء الاربعة، وقد نعتوه بأوصافه فلا أتركهم حتى آخذ بعيرى.
فقال الأفعى لبنى نزار : أين بعير الشيخ؟.
فقالوا: لم نره.
فقال لهم وهو يحاورهم: كيف وصفتموه بصفاته، وتدعون أنكم لم تروه؟.
فقال مضر: رأيته رعى جانبا وترك جانبا، فعلمت أنه أعور.
وقال ربيعة: رأيت إحدى رجليه الأماميتين ثابتة الأثر ، والأخرى فاسدته، فعلمت أنه أعرج.
وقال اياد: عرفت أنه أبتر لاجتماع بعره، ولو كان ذا ذيل لمصع به:
وقال أنمار: وعرفت أنه شرود لأنه كان يرعى فى المكان ذى النبت الملتف، ثم يجوزه إلى مكان أخبث نبتا، فعلمت أنه شرود.
وقال مضر: رأيت أثره حين برك، يعف الذباب على جانب من ذلك الأثر، ولا يعف على الجانب الآخر , فعرفت انه يحمل حملا نصفه عسل ونصفه حنظل .
فقال الافعى للاعرابى : هؤلاء ليسوا اصحاب جملك , فاطلبه عند غيرهم , فانهم لم يروه وانما رأوا اثره .فعجب الاعرابى وانصرف بعد ان اعطاه الافعى بعيرا .
وقد بلغ العرب فى فن الفراسة مبلغا عظيما, فكان احدهم ينظر الى المرء , فيعرف مهنته من سيماه وملامحه .
ومما يحكى عن الشافعى , وعن محمد بن حسن انهما رايا  رجلا , فقال احدهما : انه نجار وقال الاخر انه حداد فسئل فقال : كنت حدادا والان نجارا . وكان منهم من مهر فى الحزر , فكان الحسن ابن السقاء من موالى ابن سليم ولم يكن احزر منه ينظر الى السفينة فيحزر ما فيها ، وكان حزره للمكيل والموزون والمعدود سواء ، فيقول مثلا فى هذه الرمانة كذا حبة فلا يخطىء.
3-     تربية الشباب فى الإسلام:
وبعد ظهور الإسلام كان النبى عليه الصلاة والسلام يعنى أشد العناية بتربية الشباب , وكان يحث على تدريبهم ضروب الفروسية والرماية , وكان يختار منهم الاقوياء والاصحاء لتدريبهم على فنون التمريض والاسعاف ونقل الجرحى والعناية بهم , ونظم التموين والامداد ليستعين بهم فى غزواته , وسماهم جيش الصبيان .. وكان لا يقبل أحدا منهم إلا برضاء والديه واذا كان والده متوفيا فيرده , ويقول له : ” أمك أحق بك لخدمتها , ارجع إليها فان الجنة تحت أقدام الأمهات ” .
وقد روى عنه صلوات الله عليه عندما كان يستعرض بعض هؤلاء الصبية ان امر واحدا منهم ان ينصرف ,ويعود السنة المقبلة لأنه صغير الجسم , وكان اسم هذا الصبى (سمره بن جندب) فتقدم الى الرسول وقال له “يا رسول الله ” , لقد أخذت غلاما ورددتني  , ولو صارعني لصارعته ,فأستدعى الرسول ذلك الغلام ,وقال لسمره: صارعه فصرعه (سمره بن جندب) ,فأجازه الرسول.